خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء الفقهية
المقدمة
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةَ مَنْ أقرَّ له برق العبوديةِ ، واستعاذَ به من شرِ الشيطان والهوى . وأشهدُ أن محمداً عبدُه المصطفى ، ونبيُّه المجتبى ، ورسولُه الصادقُ المصدوقُ الذي لا ينطقُ عن الهوى ((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم 4] . أرسله رحمةً للعالمين ، وحسرةً على الكافرين ، وحُجةً على العالمين أجمعين . فشرحَ له صدرَه ، ووضعَ عنه وزرَه ، ورفعَ له ذكرَه ، وجعلَ الذّلةَ والصغارَ على مَنْ خالفَ أمرَهُ ونهيَه ، وأقسَم بحياتِهِ في كتابهِ المبينِ ، وقرن اسمهَ باسمهِ فلا يُذكرُ إلا ذُكرَ معه كما في التشهدِ والخُطبِ والتأذينِ . وافترضَ على العبادِ طاعتَه ، ومحبتَه ، وتعظيمَه ، وتوقيرَه ، وسدَّ إلى جنتهِ جميعَ الطرقِ فلم يفتحْ لأحدٍ من أمتهِ إلا مِن طريقهِ . فلم يزلْ صلى الله عليه وسلم قائماً بأمرِ ربهِ لا يردُّه عنه رادٌّ ، مُشمِّراً في مرضاتِه لا يصدّه عنه صادّ . إلى أن أشرقتِ الدُّنيا برسالتهِ ضياءً ، وابتهاجاً ، ودخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً . فصلواتُ ربي وسلامُه عليه .
وبعد :
فقد جعلَ اللهُ تباركَ وتعالى هذه الأمةَ وسطاً بينَ الأممِ في جميع أمورِ دينها بما هيأ لها من أسبابِ التوسطِ في ذلك بأنْ بعثَ فيها خيرةَ رسلهِ وأنزلَ إليها أفضلَ كتبهِ وأكملَ لها من أسبابِ التوسطِ والاعتدالِ ما يجعلُها على بصيرةٍ مِن أن يروجَ عليها ما راجَ على الأممِ السابقةِ من الضلالاتِ ، والانحرافاتِ ، فالمسلمون وسطٌ بينَ الغالينَ والجافينَ ، لم يغلُوا كما غلتِ النصارى الذين جعلوا المسيحَ ابنَ اللهِ ، ولم يقَصروا كما قصّرتِ اليهودُ الذين قتلوا الأنبياءَ والرسلَ ، بل قدّروا رسولَهم حقَّ قدرِه ، وعظّموه حقَّ تعظيمه ، بطاعتهِ فيما أمرَ ، وتصديقهِ فيما أخبرَ ، وتقديمِ محبتهِ على محبةِ النفسِ ، والمالِ ، والأهلِ ، والولدِ ، والسعيِ في إظهارِ دينهِ وإعلاء كلمتهِ ونصرِ ما جاءَ به وجهادِ مَنْ خالفه وتحكيمه وحده والتسليم لحكمه والرضا به إلى غير ذلك من أنواع التعظيم المشروع الذي فهمه سلف هذه الأمة وعملوا به فصدق عليهم التحقق بالوسطية التامة والخيرية الكاملة . ثم بعد أن فتح الله تعالى البلاد وانتشر فيها الإسلام ودخل فيه من أهلها من كان متأثراً بمعتقدات تلك البلاد أو دخل بنية التضليل والإفساد فسَرَتْ نتيجة لذلك عدوى الأمم السابقةِ إلى هذه الأمة من الغلو في أنبيائها والتقصير في حقوقهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : { لتتبعنَّ سننَ مَنْ كان قبلَكم شبراً بشبرٍ ذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لاتبعتموهم . قلنا : يا رسول اللهِ اليهودَ والنصارى ؟ قال : فَمَن ؟ . قوله صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ) استفهامٌ استنكاريّ والتقديرُ : فَمَنْ هُمْ غيرُ أولئك فنشأ من الغلوِ فيه صلى الله عليه وسلم ما أدّى إلى بخسِ حقوقه الواجبةِ له على أمتهِ والأذى مِن ذلك بنحو ما حصلَ للأنبياء السابقينَ وبيانُ ذلك بأمورٍ منها :
الأمرُ الأول : إنّ الأنبياء أمرتْ أممهم بعبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له فإنْ هُم أطاعوهم كان للأنبياء مِنَ الأجرِ مثلُ أجورِهم من غيرِ أن ينقْص من أجورهم شيء ، وإذا غلوا فيهم واتخذوهم أرباباً مِنْ دونِ الله انقطعَ ثوابُ العملِ الصالحِ الذي يحصُلُ للأنبياء بتوحيدِ أممهم وطاعتِهم ، وحصلَ للغلاةِ العذابُ الأليمُ ، وإن كان الأنبياءُ سالمينَ من العذابِ لكن فوّتوا عليهم مِنْ الأجرِ والثوابِ الذي كانَ يحصلُ لهم مِنْ توحيدِ أممِهم وطاعتهم الشيءُ الكثيرُ ، بخلافِ أتباعِ الرسلِ الذين وحدّوا ربّهم وعبدُوه كما شرعَتْهُ لهم الرسل فصاروا أولياء لله تعالى وحصل للرسول الذي دعاهم مثل أجورهم فكان هذا من التعظيم للرسل ما ليس في طريق الغلاة .
الأمر الثاني : إن أهل التوحيد والسنة يدعون دائماً للرسل فينتفعون بدعاء أممهم بخلاف أهل الشرك والبدع فإنهم يكلفونهم حوائجهم ويؤذونهم بسؤالهم ويعتبر بحال الصدّيق رضي الله عنه الذي كان يعاون الرسول صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه ولا يكلفه شيئاً ؛ أين منزلته من منزلة من يسأله ويكلفه ولا يسعى في تحصيل المنفعة له صلى الله عليه وسلم ؟! .
الأمر الثالث : إن أهل التوحيد والسنة يصدقون الرسل فيما أخبروا ويطيعونهم فيما أمروا ويحفظون ما قالوا ويفهمونه ويعملون به ، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ويجاهدون من خالف الرسل تقرباً إلى الله تعالى طلباً للجزاء منه لا من الرسل ، وأما الغلاة فلا يميزون بين ما أمرت به الرسل ونهوا عنه ولا بين ما صح عنهم وما كذب عليهم ولا يفهمون حقيقة مرادهم ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم ، بل هم معظّمون لأغراضهم الخاصة ، فالسدنة الذين عند قبور الرسل وقبور غيرهم من المعَظّمين غرضهم أكل أموال الناس بهم، والصادق منهم غرضه أنه إذا سألهم واستغاث بهم في دفع شدة أو قضاء حاجة قضوها له فأي الفريقين أشد تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانه الرسل أولئك أو هؤلاء ؟
إلى غير ذلك من الأمور التي تبين أن التعظيم الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلاّ وفق ما أمر به الشارع الحكيم وكان على فهم سلف هذه الأمة الذي به يُقضى على الغلو والتقصير في حقه صلى الله عليه وسلم فتتحقق للأمة الوسطية التامة والخيرية الكاملة . والله هو المسؤول أن يجعلني وإخواني المسلمين أجمعين من عباده الذين هم بكتابه يهتدون وبرسوله يؤمنون وبه يقتدون وبحبل الله يعتصمون ولأولياء الله يوالون ولأعدائه يعادون وفي سبيله يجاهدون ولطريقَي المغضوب عليهم والضالين يجتنبون وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان يتبعون .
الخاتمة
بعد حمد الله تعالى على توفيقه لي بإتمام هذا البحث أُبين في خاتمته ما وصلت إليه من نتائج .
1- إن مصطلح الخصائص عند كُتّاب السيرة النبوية أعم من مصطلح الدلائل لاشتماله على الدلائل التي تدل على صدق النبوة وغيرها . وأعم من مصطلح الشمائل لاشتماله على الخصال الحميدة وغيرها من المعجزات والدلائل... الخ . وأعم من مصطلح الفضائل لاشتماله على الخصائص التفضيلية والتشريعية معاً . وبالنظر لمصطلح الخصائص مع كل مصطلح من المصطلحات السابقة على حدة نجده أخص .
2- إن مجال الدراسة في الخصائص التشريعية فقهي بخلاف الخصائص التفضيلية فمجال الدراسة فيها عقدي لوجود الإفراط والتفريط فيها وموضوع هذا البحث هو دراسة هذا الجانب الأخير منهما .
3- أثبتت الدراسة أن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه مخلوق من نور الله تعالى مستمد من الفلسفة الهرمسية والأفلوطينية والهندية القديمة وهو المدخل الذي استغله الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام في التقريب بين الدين وبين تلك الفلسفات القديمة القائلة بصدور العالم عن الله تعالى .
4- أثبتت الدراسة أن القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى مستمد من تلك الفلسفات خاصة نظرية الفيض الأفلوطينية ، نقلها إلى المسلمين فلاسفة الصوفية ووضعوا لها أحاديث النور المحمدي لتأخذ الصبغة الإسلامية .
5- أدى الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى الغلو في مشايخ الغلاة إمّا عن طريق أخذ الفضائل والخصائص لمشايخهم من النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ، أو بالاستمداد من خصائصه صلى الله عليه وسلم المزعومة عن طريق الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم .
6- أثبتت الدراسة أن اتخاذ الوسائط الشركية ناتج عن تشبيه الخالق جلّ وعلا بالمخلوق .
7- اعتماد الغلاة في الاستدلال على الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، واعتماد الجفاة على الكذب والدعاوى المجردة عن الأدلة .
8- بنى الغلاة غلوهم في كرامات ومناقب مشايخهم على الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم فلما تبين بطلان ما زعموه للنبي صلى الله عليه وسلم من خصائص كان بطلان ما زعموه لمشايخهم من باب أولى .
9- أدَّى الغلو بجعل مناقب وكرامات لمشايخ الغلاة تفوق خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعظيمهم فوق تعظيمه وطاعتهم وترك طاعته ومحبتهم ودعوى محبته صلى الله عليه وسلم وهذا هو الجفاء الحقيقي له صلى الله عليه وسلم ، وعليه ظهر كذب دعواهم أن أهل السنة الذين يتبعون سنته صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به هم جفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
10- أدَّى جهل الكثير من المسلمين بالصحيح من خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى انحرافات عقدية خطيرة كجعل خصائص للرسول صلى الله عليه وسلم هي من جنس خصائص الربوبية والإلهية أو يؤدي إلى هدم الشريعة عموماً بتصديق كل من ادعى النبوة أو أخذ الأذكار والضمانات والفضائل منه صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ونحو ذلك .
11ـ وجوب إتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فيما يدين به المسلم ربه عموماً وفيما يتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصاً .
المؤلف : الصادق بن محمد بن إبراهيم
كامل البحث مفصلا متوفر في كتاب ويمكن تحميله من الرابط التالي :
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=253
المقدمة
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةَ مَنْ أقرَّ له برق العبوديةِ ، واستعاذَ به من شرِ الشيطان والهوى . وأشهدُ أن محمداً عبدُه المصطفى ، ونبيُّه المجتبى ، ورسولُه الصادقُ المصدوقُ الذي لا ينطقُ عن الهوى ((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم 4] . أرسله رحمةً للعالمين ، وحسرةً على الكافرين ، وحُجةً على العالمين أجمعين . فشرحَ له صدرَه ، ووضعَ عنه وزرَه ، ورفعَ له ذكرَه ، وجعلَ الذّلةَ والصغارَ على مَنْ خالفَ أمرَهُ ونهيَه ، وأقسَم بحياتِهِ في كتابهِ المبينِ ، وقرن اسمهَ باسمهِ فلا يُذكرُ إلا ذُكرَ معه كما في التشهدِ والخُطبِ والتأذينِ . وافترضَ على العبادِ طاعتَه ، ومحبتَه ، وتعظيمَه ، وتوقيرَه ، وسدَّ إلى جنتهِ جميعَ الطرقِ فلم يفتحْ لأحدٍ من أمتهِ إلا مِن طريقهِ . فلم يزلْ صلى الله عليه وسلم قائماً بأمرِ ربهِ لا يردُّه عنه رادٌّ ، مُشمِّراً في مرضاتِه لا يصدّه عنه صادّ . إلى أن أشرقتِ الدُّنيا برسالتهِ ضياءً ، وابتهاجاً ، ودخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً . فصلواتُ ربي وسلامُه عليه .
وبعد :
فقد جعلَ اللهُ تباركَ وتعالى هذه الأمةَ وسطاً بينَ الأممِ في جميع أمورِ دينها بما هيأ لها من أسبابِ التوسطِ في ذلك بأنْ بعثَ فيها خيرةَ رسلهِ وأنزلَ إليها أفضلَ كتبهِ وأكملَ لها من أسبابِ التوسطِ والاعتدالِ ما يجعلُها على بصيرةٍ مِن أن يروجَ عليها ما راجَ على الأممِ السابقةِ من الضلالاتِ ، والانحرافاتِ ، فالمسلمون وسطٌ بينَ الغالينَ والجافينَ ، لم يغلُوا كما غلتِ النصارى الذين جعلوا المسيحَ ابنَ اللهِ ، ولم يقَصروا كما قصّرتِ اليهودُ الذين قتلوا الأنبياءَ والرسلَ ، بل قدّروا رسولَهم حقَّ قدرِه ، وعظّموه حقَّ تعظيمه ، بطاعتهِ فيما أمرَ ، وتصديقهِ فيما أخبرَ ، وتقديمِ محبتهِ على محبةِ النفسِ ، والمالِ ، والأهلِ ، والولدِ ، والسعيِ في إظهارِ دينهِ وإعلاء كلمتهِ ونصرِ ما جاءَ به وجهادِ مَنْ خالفه وتحكيمه وحده والتسليم لحكمه والرضا به إلى غير ذلك من أنواع التعظيم المشروع الذي فهمه سلف هذه الأمة وعملوا به فصدق عليهم التحقق بالوسطية التامة والخيرية الكاملة . ثم بعد أن فتح الله تعالى البلاد وانتشر فيها الإسلام ودخل فيه من أهلها من كان متأثراً بمعتقدات تلك البلاد أو دخل بنية التضليل والإفساد فسَرَتْ نتيجة لذلك عدوى الأمم السابقةِ إلى هذه الأمة من الغلو في أنبيائها والتقصير في حقوقهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : { لتتبعنَّ سننَ مَنْ كان قبلَكم شبراً بشبرٍ ذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لاتبعتموهم . قلنا : يا رسول اللهِ اليهودَ والنصارى ؟ قال : فَمَن ؟ . قوله صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ) استفهامٌ استنكاريّ والتقديرُ : فَمَنْ هُمْ غيرُ أولئك فنشأ من الغلوِ فيه صلى الله عليه وسلم ما أدّى إلى بخسِ حقوقه الواجبةِ له على أمتهِ والأذى مِن ذلك بنحو ما حصلَ للأنبياء السابقينَ وبيانُ ذلك بأمورٍ منها :
الأمرُ الأول : إنّ الأنبياء أمرتْ أممهم بعبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له فإنْ هُم أطاعوهم كان للأنبياء مِنَ الأجرِ مثلُ أجورِهم من غيرِ أن ينقْص من أجورهم شيء ، وإذا غلوا فيهم واتخذوهم أرباباً مِنْ دونِ الله انقطعَ ثوابُ العملِ الصالحِ الذي يحصُلُ للأنبياء بتوحيدِ أممهم وطاعتِهم ، وحصلَ للغلاةِ العذابُ الأليمُ ، وإن كان الأنبياءُ سالمينَ من العذابِ لكن فوّتوا عليهم مِنْ الأجرِ والثوابِ الذي كانَ يحصلُ لهم مِنْ توحيدِ أممِهم وطاعتهم الشيءُ الكثيرُ ، بخلافِ أتباعِ الرسلِ الذين وحدّوا ربّهم وعبدُوه كما شرعَتْهُ لهم الرسل فصاروا أولياء لله تعالى وحصل للرسول الذي دعاهم مثل أجورهم فكان هذا من التعظيم للرسل ما ليس في طريق الغلاة .
الأمر الثاني : إن أهل التوحيد والسنة يدعون دائماً للرسل فينتفعون بدعاء أممهم بخلاف أهل الشرك والبدع فإنهم يكلفونهم حوائجهم ويؤذونهم بسؤالهم ويعتبر بحال الصدّيق رضي الله عنه الذي كان يعاون الرسول صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه ولا يكلفه شيئاً ؛ أين منزلته من منزلة من يسأله ويكلفه ولا يسعى في تحصيل المنفعة له صلى الله عليه وسلم ؟! .
الأمر الثالث : إن أهل التوحيد والسنة يصدقون الرسل فيما أخبروا ويطيعونهم فيما أمروا ويحفظون ما قالوا ويفهمونه ويعملون به ، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ويجاهدون من خالف الرسل تقرباً إلى الله تعالى طلباً للجزاء منه لا من الرسل ، وأما الغلاة فلا يميزون بين ما أمرت به الرسل ونهوا عنه ولا بين ما صح عنهم وما كذب عليهم ولا يفهمون حقيقة مرادهم ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم ، بل هم معظّمون لأغراضهم الخاصة ، فالسدنة الذين عند قبور الرسل وقبور غيرهم من المعَظّمين غرضهم أكل أموال الناس بهم، والصادق منهم غرضه أنه إذا سألهم واستغاث بهم في دفع شدة أو قضاء حاجة قضوها له فأي الفريقين أشد تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانه الرسل أولئك أو هؤلاء ؟
إلى غير ذلك من الأمور التي تبين أن التعظيم الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلاّ وفق ما أمر به الشارع الحكيم وكان على فهم سلف هذه الأمة الذي به يُقضى على الغلو والتقصير في حقه صلى الله عليه وسلم فتتحقق للأمة الوسطية التامة والخيرية الكاملة . والله هو المسؤول أن يجعلني وإخواني المسلمين أجمعين من عباده الذين هم بكتابه يهتدون وبرسوله يؤمنون وبه يقتدون وبحبل الله يعتصمون ولأولياء الله يوالون ولأعدائه يعادون وفي سبيله يجاهدون ولطريقَي المغضوب عليهم والضالين يجتنبون وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان يتبعون .
الخاتمة
بعد حمد الله تعالى على توفيقه لي بإتمام هذا البحث أُبين في خاتمته ما وصلت إليه من نتائج .
1- إن مصطلح الخصائص عند كُتّاب السيرة النبوية أعم من مصطلح الدلائل لاشتماله على الدلائل التي تدل على صدق النبوة وغيرها . وأعم من مصطلح الشمائل لاشتماله على الخصال الحميدة وغيرها من المعجزات والدلائل... الخ . وأعم من مصطلح الفضائل لاشتماله على الخصائص التفضيلية والتشريعية معاً . وبالنظر لمصطلح الخصائص مع كل مصطلح من المصطلحات السابقة على حدة نجده أخص .
2- إن مجال الدراسة في الخصائص التشريعية فقهي بخلاف الخصائص التفضيلية فمجال الدراسة فيها عقدي لوجود الإفراط والتفريط فيها وموضوع هذا البحث هو دراسة هذا الجانب الأخير منهما .
3- أثبتت الدراسة أن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه مخلوق من نور الله تعالى مستمد من الفلسفة الهرمسية والأفلوطينية والهندية القديمة وهو المدخل الذي استغله الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام في التقريب بين الدين وبين تلك الفلسفات القديمة القائلة بصدور العالم عن الله تعالى .
4- أثبتت الدراسة أن القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى مستمد من تلك الفلسفات خاصة نظرية الفيض الأفلوطينية ، نقلها إلى المسلمين فلاسفة الصوفية ووضعوا لها أحاديث النور المحمدي لتأخذ الصبغة الإسلامية .
5- أدى الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى الغلو في مشايخ الغلاة إمّا عن طريق أخذ الفضائل والخصائص لمشايخهم من النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ، أو بالاستمداد من خصائصه صلى الله عليه وسلم المزعومة عن طريق الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم .
6- أثبتت الدراسة أن اتخاذ الوسائط الشركية ناتج عن تشبيه الخالق جلّ وعلا بالمخلوق .
7- اعتماد الغلاة في الاستدلال على الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، واعتماد الجفاة على الكذب والدعاوى المجردة عن الأدلة .
8- بنى الغلاة غلوهم في كرامات ومناقب مشايخهم على الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم فلما تبين بطلان ما زعموه للنبي صلى الله عليه وسلم من خصائص كان بطلان ما زعموه لمشايخهم من باب أولى .
9- أدَّى الغلو بجعل مناقب وكرامات لمشايخ الغلاة تفوق خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعظيمهم فوق تعظيمه وطاعتهم وترك طاعته ومحبتهم ودعوى محبته صلى الله عليه وسلم وهذا هو الجفاء الحقيقي له صلى الله عليه وسلم ، وعليه ظهر كذب دعواهم أن أهل السنة الذين يتبعون سنته صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به هم جفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
10- أدَّى جهل الكثير من المسلمين بالصحيح من خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى انحرافات عقدية خطيرة كجعل خصائص للرسول صلى الله عليه وسلم هي من جنس خصائص الربوبية والإلهية أو يؤدي إلى هدم الشريعة عموماً بتصديق كل من ادعى النبوة أو أخذ الأذكار والضمانات والفضائل منه صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ونحو ذلك .
11ـ وجوب إتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فيما يدين به المسلم ربه عموماً وفيما يتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصاً .
المؤلف : الصادق بن محمد بن إبراهيم
كامل البحث مفصلا متوفر في كتاب ويمكن تحميله من الرابط التالي :
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=253